نص :بوعلام غبشي
استطاع الكاتب السوري عمر يوسف سليمان أن يجذب اهتمام النقاد على الساحة الأدبية الفرنسية في سنوات معدودة، وهو الذي وصل لفرنسا عام 2012 عن طريق اللجوء. والاستثنائي في تجربة هذا الكاتب أنه لم يتحدث يوما اللغة الفرنسية، إلا أنه تعلمها في ظرف عام واحد. صدر له كتابان "الإرهابي الصغير" في 2016 ثم "السوري الأخير" في 2019 باللغة الفرنسية. تجربته نالت اهتمام الكثير من وسائل الإعلام الفرنسية.
عند وصوله لأول مرة إلى باريس، اختلط بداخله شعور بـ"الحيرة والضياع ثم الانعتاق والحرية"، خاصة وأنه أمام عالم جديد يجهل لغته وثقافته، إلا أنه كان من المحبين للأدب الفرنسي، حيث قرأ لكتاب وشعراء فرنسيين، ترجمت أعمالهم إلى اللغة العربية من أمثال ألبير كامي ولويس أراغون.
التحدي الأول الذي واجهه في فرنسا هو تعلم اللغة الفرنسية. "في 2013 سجلت في مدرسة عن طريق البلدية، وبدأت أتعلم اللغة الفرنسية"، يقول عمر متحدثا عن علاقته الأولى بلغة موليير، كما أنه كان يدرك أن ربط حلقة التواصل مع الأوساط الأدبية، تمر "بالاحتكاك معها". ولم تمر "سنة واحدة على وجوده في فرنسا حتى تعلم اللغة الفرنسية".
عمر يوسف سليمان شاعر في الأصل، ترجم ديوانان له، الأول بعنوان "الموت لا يغوي السكارى"، وحاز بفضله على جائزة "أميلي مورا" الفرنسية في 2016، ثم ديوان "بعيدا عن دمشق" الذي فاز بجائزة "الشاعر المقاوم" بالفرنسية كذلك. وله ديوانان آخران وهما "أغمض عينيّ وأمشي" صدر في 2010، وديوان "ترانيم الفصول" صدر في 2006.
دخول عالم الأدب الفرنسي
الاندماج، بالنسبة له، في المجتمع الفرنسي ينبني على مبدأ "عدم التفكير كثيرا في العودة"، ما ساعده على توطيد علاقته بالأوساط الأدبية والثقافية، وتطوير لغته الفرنسية، التي نجح في ترويضها لكتابة عمله الأول عام 2016 "الإرهابي الصغير" عن دار "فلاماريون" وهو رواية تحاكي السيرة الذاتية، طرح فيها الكاتب بأسلوبه ارتباطه بالأفكار المتشددة في مرحلة مبكرة من العمر عندما كان إلى جانب والديه الطبيبين في السعودية، قبل أن يقرر وضع قطيعة مع الدين نهائيا.
ونشر لعمر يوسف سليمان مؤخرا عملا جديدا بالفرنسية أيضا تحت عنوان "السوري الأخير" عن دار "فلاماريون" أيضا، تجمعت بين دفتيه تعابير لأوضاع شريحة من السوريين لها أفكارها وهواجسها بينهم المثليون، تستضيف "امرأة متمردة"، وهي إحدى أبطال الرواية، عينة منهم في منزلها كفضاء حر للنقاش بشأن الحرية والديمقراطية.
لا يخفي عمر أن اللغة الفرنسية التي كانت غريبة عنه قبل سنوات، تحولت اليوم إلى أداة عمل، أنهى بموجبها علاقته باللغة العربية في الكتابة. "هي قطيعة مع هذه اللغة، عندما لا نستطيع العودة جغرافيا". ويعتبر أنه "عندما نكتب بلغة ثانية حيث نقيم، هذا غنى للذات، لأننا نفكر ونحلم بذاكرة مختلفة".
والقطيعة مع اللغة العربية، بالنسبة للكاتب الذي نال اهتمام الكثير من وسائل الإعلام الفرنسية، "ليس انسلاخا عن الذات، وإنما اندماج" في بلد الاستقبال، علما أن عمله الأول "الإرهابي الصغير" كتب باللغة العربية، لكنه لم ينشر يوما بها. "كنت متأكدا أنه لن يقبل من أي دار نشر عربية"، يقول عمر، الذي يقدم تفسيره الخاص للوطن على أنه: "أينما وجد الإنسان حريته يوجد وطنه".