"دكّانة" أول كاليري في شارع المتنبي

مؤسسة “رؤيا” أول كاليري للفن التشكيلي يُفتتح في شارع المتنبي الثقافي بأقل مساحة ممكنة لا يكفي حائطها غير بضع لوحات صغيرة أو متوسطة الحجم ولا تتسع لزوارٍ كثيرين إلا لبضعة أنفار، وتنطلق هذه المؤسسة من رؤيا أساسية في تشجيع النشاط  الفني والعمل على دعم المشاريع المحلية وإحياء سلسلة من النشاطات الثقافية المشتركة التي من شأنها أن تساهم في تطوير المجتمع المدني كما جاء في رؤيا “رؤيا”.

وقد أطلقت المؤسسة اسم “دكّانة” على هذا الكاليري، أي أصغر من دكان أو حانوت، وهذه المساحة الصغيرة (3 × 3 متر) تكفي لفكرة كبيرة تعرض جانبا من الحياة العراقية في ظل أسوأ ظروفها السياسية والاجتماعية، وفي أول عرض لها اختارت “رؤيا” الفنان البَصْري هاشم تايه ليقدم سبع لوحات حملت عنوان “عناصر الهلاك” التي تحاكي الأزمات الكبيرة التي تعاني منها مدينة البصرة والتي جاءت مخاضا عن الأحداث الأخيرة التي شهدتها المدينة كعلامة إنذار في مواجهة الكارثة البيئية والإنسانية.

وتقدم “رؤيا” هذا الفنان لما تحمله أعماله التشكيلية من علامات دالّة على الكارثة البيئية في جو وطني غارق في العنف السياسي. ولهذا فإن مجمل أعمال الفنان جاءت من جسد مريض تمكن من تشخيصه الفنان كونه ابن المدينة وقد عايش انقلابات الحالة فيها، واكتنزت لوحاته في موضوع البيئة التي تشكل خطرا مزدوجا على الحياة بالكثير من هواجس الشك والحزن والترقب، لا سيما وأن لوحاته قريبة من هذا التشخيص باستعماله القمامة الورقية والكارتونية المهملة وما تقذفه مخلفات الطمر الصحي والعشوائيات التي لا ينتبه الناس إليها، في محاولة لخلق عالم جديد من الأشياء عديمة الفائدة والأشخاص من ذوي الوجوه المشوهة، ولهذا فإن أغلب لوحاته كانت كالحة بلا ألوان براقة أو جاذبة وفيها الكثير من الحزن واليأس، وهذا تعبير مباشر ربما عن التشويه الخلقي الذي وصلت إليه المدينة عندما شُوّه مناخها وبيئتها وتضاريسها بسبب الجهل الذي تعيشه البصرة، في إشارات متصلة عن فقدان الناس للحس الاجتماعي المشترك الذي أوصل البصرة إلى هذه الحالة المأساوية. وحتى تلك الوجوه المشوهة التي تعرضها لوحاته هي الميل إلى تشخيص المسوخ السياسية التي عبثت وتعبث في حاضرة العراق البصرة، وهي مسوخ سياسية – دينية مزدوجة الملامح في الاستحواذ على مدينة مكتنزة بالتاريخ والعلم والمعرفة.

معرض

مشكلة المياه التي تسببت في اندلاع ثورة عارمة في المدينة يفسرها الفنان هاشم تايه عبر لوحاته على أنها موقفه من الكارثة البيئية التي تهدد مدينته وتهدد أشكال الحياة فيها من جفاف وتصحّر ووجود نفسي يتأثر بالمتغيرات المناخية الكبيرة، لهذا فأعماله تتعاضد وتتضامن بتنوعات تعبيراتها الجمالية عن أكثر من مشكلة تضرب في روح البصرة ومستوياتها الاجتماعية التي لا تزال تعاني من آثار التخريب والإهمال.

وفي “عناصر الهلاك” تتجسد هذه الرؤيا التي وثقها الفنان من المادة المهملة والأشياء البسيطة المتروكة التي لا تلفت الأنظار إليها (بقايا الورق – الكارتون) لإيصال رسالة جمالية – فنية تشير إلى الخراب البَصْري من زوايا متعددة ليس أقلها الخراب التحتي الذي طال البصرة وأجهز على قيمتها الاعتبارية والتاريخية.

***

الفنان هاشم تايه من مواليد البصرة سنة 1948

أقام عددا من المعارض الشخصية في البصرة وبغداد في الأعوام 1974، 1976، 1989، 1992.

آخر معرض له حمل عنوان “نفايات” عام 2007 ضم 24 منحوتا  مستخدما خامات غير تقليدية.

ويمارس هواية التصوير الفوتوغرافي ويكتب القصة القصيرة والشعر والنقد التشكيلي، وهو أحد فناني البصرة الذين لهم دور بارز في تأكيد العلاقة بين الفن والحياة اليومية.

تم عمل هذا الموقع بواسطة