29 Mar
29Mar

يعتبر زاهر الغافري واحدا من أبرز الشعراء العرب الذين وضعوا لمستهم الخاصة على جسد القصيدة العربية، فهو ينتمي إلى جيل شعري عربي جدد شباب القصيدة وقدم مقترحه الخاص في إطار الشعرية العربية خلال الربع الأخير من القرن العشرين، فكان صوتا لافتا بين كوكبة من الشعراء العرب من أمثال بسام حجار، سيف الرحبي، أمجد ناصر، وليد خزندار، وغيرهم ممن أثروا بتجاربهم الشعرية في جيل كامل من الشعراء اللاحقين، واتخذوا من قصيدة النثر والوسيط النثري وسيلة لإنتاج شعرية جديدة تقطع بمغامرتها الجمالية وبالقيم التي تقترحها مع الجماليات والقيم والمعايير الشعرية السابقة. وقد قيض لهذا الجيل الشعري الذي ولد شعراؤه في أواسط الخمسينات أن يقتحم بمغامرات شعرائها مساحات غير مطروقة من قبل، وذلك في سياق زمن شعري عربي انفتح بالقصيدة على شتى المؤثرات القادمة من لغات الشعر في العالم. زاهر الغافري صوت أساسي في الشعر العربي الحديث. ما من فجوة أو مسافة للغربة بين قصيدة هذا الشاعر وتجربته الحياتية وتطلعاته كمثقف يؤمن بالجديد في الشعر والحياة. في هذا الحوار معه نتعرف على همومه الشعرية وطبيعة علاقته بمجتمع الشعر وتاريخ القصيدة الجديدة، عبر رحلة مديدة مع الجغرافيا والناس، ما يجعل من شاعرنا مغامرا في اللغة والعالم معاً وباحثاً عن سبل لم تطرق وأفق لحرية الشعر.

قلم التحرير

الجديد: تعود بدايات تجربتك الشعرية إلى أواخر السبعينات، وترتبط بجغرافيات عديدة، ما بين أوروبا وآسيا والشمال الأفريقي، لا شك أن هناك ميزات مختلفة من مرحلة إلى أخرى طبعت شعرك بفعل السفر في الأمكنة والناس والثقافات، كيف تقرأ تجربتك وتستعيد نتاجك على هذه الخلفية الثرية؟

زاهر الغافري: سمعتُ كثيراً أن البدايات دائماً مربكة، ما حدث لي هو العكس، كنتُ أحس كأنني ألعب بالمعنى الحرفي للكلمة، لكنني كلما تعمقتُ في الشعر أحس بالارتباك، أي الآن وغداً ربما. فأنا أبحث عن الشعر في الحياة، لكن أريد لحياتي أيضاً أن ترتفع عن الابتذال والنمطية، لهذا أركز أحياناً كثيرة على عوالم الطفولة كرافعة جمالية تضعني في مهب الشفافية كأن نسيماً خفيفاً يمر عليّ وأنا أستلقي في الشرفة لأنظر إلى البعيد.

ربما كنت محظوظاً لأنني ولدت في جزيرة نائية وعشت في مدن وبلدات كثيرة بحيث أرى صيغ الجمال الباهر فأشعر بالدهشة وأبكي، إن موضوع الجمال هو موضوع قاس وأليم إذا عرفنا أن الموت ينتظر أمام الباب والتعبير عن هذا يضعني في حالة من الخوف، نعم أخاف من الكتابة وأخاف من الشعر لكن لا يمكن تجاوز المرحلة إلا بالقيام بهما، كما لو كنتُ سجيناً في كهف أفلاطون، أعرف أن هذه مثالية ولكن من الذي لا يبحث عن المثالية (Idealism)، أعني الوصول إلى ذروة الإتقان.

عندما أنظر إلى عملي الأول “أظلاف بيضاء” بعد ستة وثلاثين عاماً أجد نفسي كنتُ مأخوذاً بالصور الشعرية المرتبطة بالاغتراب النفسي. هناك حالة من التجريب والقول المُفارق للذات والأشياء رغم أنني في بغداد جمعتُ نصوصاً وكنتُ على وشك طباعة مجموعة أولى لي ولكن سرعان ما صرفت النظر وفضلتُ التريث، بعد هذه المسافة أجد في الكتاب الأول نوعاً من الحنين ليس للكتابة فقط بل للحياة أيضاً حين يكون الإنسان في مُقتبل العمر، طبعاً لا يمكن العودة إلى الخلف، فأنا الآن أكتب بطريقة مختلفة وأحاول أن أكون دقيقاً في الاجتراحات الشعرية التي تخص عالمي، لقد تعلّمتُ من مالارميه عندما قال أوصيكم بالدقة.

الخروج من عمان

خروجي من عُمان في فترة مبكرة من حياتي رماني في وسط عالم يمور بكل ما هو جديد، في القراءة والكتابة والنقاشات، والتعرف على شعراء كبرنا معاً تقريباً، هناك شعراء تعرفت عليهم على نحو شخصي في بغداد، وآخرون تعرفت عليهم فيما بعد، لكنني كنت أقرأ لهم مما جعل تجربتي تلتحم مع التجربة العراقية واللبنانية والسورية، أما بالنسبة إلى التجربة المصرية فلم أجد تقاطعاً لافتاً معها، رغم أنني نشرت في مجلة “إضاءة 77” التي تحلّق حولها بعض الشعراء المصريين من جيل السبعينات، ظهر هذا جليا في كتابي الثاني “الصمت يأتي للاعتراف” الذي كتبته في المغرب.

 وطالما أشير الآن إلى البدايات فقد نشرت نصوصاً ظهرت في مجلة “مهماز النقطة” التي أصدرها عبدالقادر الجنابي في باريس واستحسنها أنسي الحاج وكتب عنها في النهار العربي والدولي. ونشرت نصوصاً أخرى في مجلة “مواقف” بعنوان “حدائق هيراقليط”. ونصوصاً أخرى في مجلة كلمات البحرينية، كل هذه النصوص لم أجمعها في كتاب، ببساطة نسيتها وظلت كأنشودة يتيمة في ذاكرتي.

السكن في اللغة

ها أنت ترى أننا كنا عصبة متشابكين ومتقاطعين أحيانا في الكتابة ونحن أبناء جيل واحد لهذا لا تجد في أعمالي بعداً محلياً ولا خليجياً خصوصاً أنني بعد خروجي عشتُ سنوات طويلة من حياتي خارج المنطقة، حيث أنني عشتُ في الخارج أكثر من السنوات التي عشتها في بلدي عُمان. ففي نيويورك وحدها عشت سنوات عشر دون أن أخرج منها إلا إلى بعض البلدان الأوروبية، وكنت أقرأ بالعربية والإنكليزية، وفي نيويورك أيضاً كنت أقضي معظم وقتي إما في المكتبة العامة أو مكتبة جامعة كولومبيا، القريبة من البيت الذي كنت أسكن فيه، وفي المساء كان وقتي يصب في صالات السينما التي تقدم أفلاماً طليعية أو أذهب إلى المسارح، لقد كنت جريئاً وأقتحم الأمكنة كما لو كنت عاصفة، هكذا مثلا تعرفت على كانتور البولندي في مسرح لاماما، وعلى كتاب وشعراء وفناني أميركا الذين كانوا أحياء، كان هذا الأمر أشبه بالكتابة، وخصوصاً الكتابة الشعرية القائمة على الحرية، ولماذا الحرية؟ لأن الكتابة إذا ارتهنت إلى مطارح أخرى تفقد قيمتها، فهناك الكثير من الشعراء في العالم العربي ارتهنوا إلى الأيديولوجيا ومهما كانت هذه الأيديولوجيا التي نتحدث عنها أجد أننا ننزع القيمة العليا للشعر، من هنا انتبهت مبكراً إلى هذا الأمر فجاءت عناوين كتبي ذات طابع مختلف، “أظلاف بيضاء”، “الصمت يأتي للاعتراف”، “أزهار في بئر”، “في كل أرض بئر”، “حلم بالحديقة”، “غيوم فوق جسر أبريل”. والكتابان القادمان “صنّاع الأعالي” و”كتاب الصبايا”.

غيابة البئر

الجديد: لماذا البئر؟

زاهر الغافري: لأنه ببساطة كان جدّي من الأم وأسمه زاهر يقع في الآبار دائماً، وكان طويل القامة يأخذني معه إلى البساتين والحقول وعبر الدروب التي نمشي فيها وإذا به فجأة قد وقع في بئر، هذا في طفولتي، أن يقع في بئر يعني أنه غائب، اسمه زاهر وأنا زاهر من هنا أتى من اللاوعي عنوان “أزهار في بئر”.

الشعر والليل

الجديد: لاحظت دراسة نقدية تصدت لشعرك ووجدت حضورا طاغياً لثيمة الليل في القصائد، ما الليل لك؟ أهو بوابة للهروب من وقت الآخرين العامر بالضجيج، وفضاء للقاء الذات في عالمها الداخلي؟ أم هو ثيمة فنية وورقة للكتابة، ومسرى، بالتالي، للوصول إلى ازهار الشعر؟

زاهر الغافري: الليل مسرى فعلاً وشكرا لك على طرح هذه الفكرة، شخصياً لا أعرف لكنني طوال الوقت حتى في أحلام اليقظة أفكر بأن الليل صديقي. الليل نشيدٌ طويلٌ محاطٌ بسرية غامضة أحاول دائماً امتداحه أو الإشارة إليه في نصوصي الشعرية التي أكتبها عادة في الليل. ليس الليل بوابة هروب، أستقبل الليل كما لو أنني أستقبل عاشقةً فأنا أناوم امرأتي في الليل وأعيش كوابيسي في الليل ولديّ كتاب اسمه “عزلة تفيض عن الليل” وعشت مرحلة من حياتي عندما كنتُ يافعاً في ليل الحانات والمراقص الليلية ثم أذهب إلى البيت عندما أرى الخيوط الفضية للصباح. دون ليل لا يوجد شعرٌ، الشعر ليلي بامتياز ويمكن هنا أن أدخل من بوابة هايدغر في قراءته لشعر هولدرلين أو الكائن في ليل ذاته، إنه مساق مطروق قد يفضي بالشاعر إلى العدم.

صورة

النقد يتأخر

الجديد: بمناسبة التطرق إلى النقد، ما تعليلك لظاهرة انحسار النشاط النقدي، وخصوصا نقد الشعر مقابل ذلك الفوران والنضج اللافتين وقد أفصح عنهما نتاج عدد لا بأس به من التجارب الشعرية العربية؟

زاهر الغافري: السؤال النقدي في العالم العربي بحاجة إلى تموضع، لأن النقد المعاصر يأخذ قليلاً من القصائد لشاعر معين بغية تحليلها وفق منهج يراه الناقد أنه الأمثل. خذ مثالاً، كمال أبوديب وهو يقارب شعر أدونيس انطلاقا من نص صغير كتب في الستينات أو بداية السبعينات، شخصياً لا أستسيغ هذا النوع من النقد، في حين أثمّن تجربة خالدة سعيد في قراءتها عن بدر شاكر السياب وخصوصاً في قصيدته “النهر والموت” وأثمن أحياناً بعض التجارب النقدية، وكنتُ على دراية ومتابعة للنقد الجديد الذي ظهر في السبعينات من إلياس خوري حتى وصلنا الآن عبر قراءة انطباعات نقدية في الصحف والمجلات، لكن النتاج الشعري العربي يتقدم بينما النقد يتأخر بشكل مضاعف.

قراءات وأسماء

الجديد: في تجارب الشعراء، لأسباب شتى، أعمال أو دواوين شعرية أثيرة لديهم على غيرها من أعمالهم، هل هناك كتاب شعري كتبته يمثل لك شيئا أكثر قربا منك؟

زاهر الغافري: هناك نصوص أثيرة لديّ بالتأكيد لكنها موزعة في مجموعات ومنها نصوص لم تنشر في مجموعة في مجموعاتي.

الجديد: من تقرأ غالباً من الشعراء العرب الذين تشعر بأواصر قربى بين شعرك وأشعارهم؟

زاهر الغافري: أظل أقرأ نصوصاً لشعرا ء أصدقاء منهم  أمجد ناصر وعباس بيضون وصلاح فائق وفاضل العزاوي، وأنت، عندما أتحدث عن الأحياء. لكنني أقرأ أيضاً نصوصاً لشعراء من أميركا وبريطانيا وأميركا اللاتينة.

نظام القصيدة

الجديد: كيف تجتاز المسافة بين الشعر كفضاء مفتوح وعصي على الحدود وصولاً إلى القصيدة كنظام للكلمات وبناء شعري؟

زاهر الغافري: نعم صحيح القصيدة نظام لكنه أيضاً فضاء مفتوح لأفق الحرية والنظام الذي نتحدث عنه محكوم بشروط غاية في الخطورة، بمعنى آخر ليس سهلاً الآن كتابة نص شعري عميق يستدرج فيه أو لنقل يذوب فيه الفكر ويكون في ذات الوقت مرتكزاً على الأدوات الفنية في الكتابة، فمثلا من يعتقد أن كتابة قصيدة النثر موضوع سهل فهو أرعن، أنا أعتقد أن قصيدة النثر من أعقد وأصعب أنواع الكتابة، إنه نوع من الانتحار أو إجبار الموت على الحضور فوراً، لاحظ الخطورة هنا لأن كتابة قصيدة النثر ليست سياحة برانية بل إنها عملية حفر أنطولوجي يستنزف الشاعر، لذلك شاعر هذا النوع من الكتابة لا يلتفت إلى الخواطر الصغيرة التي يكتبها بعض الأحيان عدد من المشتغلين في مجال التواصل الاجتماعي.

ضوء الكلمة

الجديد: كيف يحصل أن تنتبه إلى أنك تريد أن تكتب؟ ما العلامات التي تسبق ذلك، تومض وتناديك للشروع  في المغامرة مع الكلمات؟

زاهر الغافري: هناك بعض العلامات منها فكرة مضاءة بكلمة واحدة أولاً وعندما أشتغل عليها يتدفق عندي مسرى حياة كاملة وأحيانا عندما أقرأ لشاعر أحبه وأحب شعره يدفعني هذا إلى أن أجرّب الكتابة بحيث أنسى الشعر الذي كتبه وأنسى الشاعر ليقوم عالم آخر من صنعي وأحيانا من أحلام اليقظة والنوم وكثيراً ما يحدث لي أن أقوم من النوم فجأة لأكتب القصيد التي كتبتها وأنا نائم، طبعا لن تكون القصيدة نفسها عندما أضعها على الورق بل شبيهتها ثم أذهب إلى النوم مرة أخرى، إنه أمر شبيه بانتظار ثمرة حتى تنضج.

الشعر والحرية

الجديد: وما هو مفهومك للشعر وللمغامرة الشعرية؟ وما هي وظيفة الشاعر في العالم؟

زاهر الغافري: مفهومي للشعر يرتبط أساساً بالحرية، والشعر موقف مع العالم والحياة، أظن أننا ينبغي أن ندرس هذه الفكرة من الجذور. فالشاعر صوت لكنه صوت يقف مع مظلومي العالم وكل شاعر يقف مع فكرة تمجيد الدكتاتورية مثلا يسقط أخلاقياً حتى لو كان يكتب شعراً جيدا، ولديّ أمثلة على ذلك ليس بالضرورة ذكرها هنا، إن وظيفة الشاعر هي الموقف النبيل من قضايا الإنسان.

المرحلة الباريسية

الجديد: في المرحلة الباريسة من حياتك الشعرية ارتبطت بصداقات وعلاقات شعرية مع شعراء ومبدعين من العرب وغيرهم، هل يمكن القول إن هذه المرحلة أعادت تأسيس وعيك الشعري وميولك الشعرية التي تفتحت في العراق؟

زاهر الغافري: أكيد كانت التجربة الباريسية على مراحل لكن مرحلة 1983 بقيت في باريس لمدة ثلاث سنوات، لم أترك مكاناً لم أذهب إليه ليس في باريس وحدها بل أيضاً ليون حيث تعرفت على سيدة من أصول إسبانية كانت تعمل مع السينمائي لويس بونويل واستضافتني في شقتها لمدة عشرة أيام وذهبت إلى المناطق القريبة من بحر المانش. على أيّ حال كانت حياتي زاخرة بالجمال، الطبيعة والتأمل والجنس أيضاً، في باريس طبعا الأصدقاء فرنسيون وعرب عبدالقادر الجنابي، كاظم جهاد، خليل وسلوى النعيمي وشاكر نوري حياة الأفلام في السينما ومركز جورج بومبيدو وكانت الكتابة تتجه وتنفتح صوب آفاق أرحب، كنتُ أتعلّم وأعلّم نفسي لكي أكون حاضراً في هذا الفضاء الكوني.

في العمق أشعر نفسي قريباً من سركون بولص وأمجد ناصر ونوري الجراح وعباس بيضون وبسام حجار ولكن هذا الإحساس يتولد بسبب تقاطعات مع الكتابة وقصائدهم، إنه أمر طبيعي خصوصاً ونحو من أجيال متقاربة، هنا أنت لا تُحس بالغربة بل بالألفة، ولكن عندما أبدأ الكتابة تتملكني الوحشة والاغتراب والمتاهات الخاصة بي. شعور بالحزن بالبهجة ربما أو حتى بالغثيان، لا وجود لوصفة واحدة وأنت تكتب هناك عناصر متداخلة، لكن عليك أن ترى جيداً ماذا تفعل، لأنه لو سألت نفسك ما هي الكتابة وهو سؤال يبدو بسيطاً ستكتشف أنه سؤال المصير لا أظن أنني خرجتُ من هذا السؤال حتى هذه اللحظة، طبعاً هناك شعراء ربما لا يشغلهم هذا الهمّ ولست ألومهم إنهم أحرار في حيواتهم، غير أن الشعراء والكُتاب والفنانين الذين أتقاطع معهم أو أحبهم تحكمهم قوى غير منظورة ربما.

تجارب جديدة

الجديد: لا شك أنك تتابع الجيل الشعري الجديد لكونك بتّ تقضي أوقاتا عمانية، ما الذي يميز كتابة هذا الجيل، وهل ثمة شعراء تجد نفسك منتظرا لمطالعة ما يكتبون؟

زاهر الغافري: أجل أتابع هذا الجيل وأفرّق بين شاعر وآخر، ما الذي يجعل الأمر صعباً؟ الموهبة أو الشرارة الأولى في الشعر، قد تجد شابة صغيرة تكتب شعراً عالياً ويمكن أن أعطي أمثلة من عُمان، عهود الأشخري مثلاً واحدة من الشاعرات العُمانيات وليس لها حتى ديوان واحد، وهناك شعراء آخرون يراوحون في مكانهم كأن الأفق مغلق هذا على صعيد الشعر، في القصة والرواية هناك أيضاً طاقات شبابية تشتغل على أعمال سينصفها التاريخ ذات يوم.

أبدية الشعر

الجديد: منذ أواسط التسعينات ظهر كلام عربي شبه نقدي يرى أن الزمن الحالي المعاصر بات زمن الرواية وأن الشعر ولّى زمنه وبات للنخبة.. هل توافق على هذا التصور؟

زاهر الغافري: لا. لا أوافق وهذا الكلام أرعن وأعرف من أين أتى. هناك أصول في الحديث النقدي والرواية لم يعرفها العرب إلا حديثاً وهي ليست الرواية التي كتبها الروس أو الفرنسيون منذ منتصف القرن الثامن عشر والتاسع عشر، الرواية العربية عرفت منذ المحاولات التي قام بها محمد حسين هيكل ثم توفيق الحكيم ونجيب محقوظ وكان جورج زيدان يكتب الروايات التاريخية ولكن الرواية بالمفهوم الحديث المعاصر تعني أكثر من ذلك، جيمس جويس مثلا، مارسيل بروست وعشرات من الكتاب الغربيين، أما الشعر فهو منذ الأساطير الأولى للإنسان في مجال التفكير الفلسفي والشعري، من بارمنيدس إلى أنسجوجوراس وهيراقليطس، والفلاسفة الإيليين، هؤلاء كتبوا تفكيرهم شعرياً على شكل شذرات أو مقطعات، وإذا فكر الإنسان بأن الشعر سينتهي في يوم ما فهو واهم تماماً لأنه عندما ينتهي الشعر وسأقولها بصوت خافت سيعود الإنسان قرداً.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
تم عمل هذا الموقع بواسطة