“الأهواريون” هم ناس الأهوار من سكنة المنطقة الجنوبية في العراق. والأهوار مناطق مائية شاسعة تغطي تقريباً الجنوب العراقي في البصرة والناصرية والعمارة بفرادتها البيئية والطبيعية والنوع الحيواني القار من الجواميس والأبقار، والمهاجر الموسمي من الطيور التي تشكل مصدراً غذائياً لا غنى عنه، وما يزال سكنة هذه المناطق متشبثين ببيوت القصب والأكواخ البسيطة ولا يمتهنون سوى تربية الجاموس والأبقار كونهم تجمعات مرتحلة مع الماء والكلأ. يتبعون مجاري الأنهار والمياه التي كانت شحيحة حتى وقت قريب، فعلاقتهم الفطرية بالمياه علاقة أزلية معروفة، وانتماؤهم إلى المكان تاريخياً يعود إلى العصور السومرية الأولى التي ما تزال بقاياها ماثلة إلى حد ما، حتى في وجوه الأهواريين الفريدة في تشكيلاتها البشرية من ملامح وقسمات يستطيع الزائر أن يميزها في الوجوه التي يطالعها نساءً ورجالاً.
كانت الأهوار تسمى فينيسيا الشرق نظراً لوفرة المسطحات المائية التي هي فيها كجزر متباعدة أو متقاربة يقطنها الرعاة ومربّو الجواميس، وزارها عدد غير قليل من المستشرقين من علماء وباحثين ومعرفيين في قرون خلت والقادة العسكريين في أزمان الاحتلال الأجنبي وأطلقوا عليها هذه التسمية، مثل الليدي درور وكافي ماكسويل وبيتر ديلا وجان باتست وهنري فيلد وهنري فرانكفورت وثور هايردال وصموئيل نوح عالم السومريات المعروف.
كما ورد ذكر الأهوار في ملحمة جلجامش قبل أكثر من خمسة آلاف عام باللغة السومرية، فضلاً عن بعض النصوص التوراتية التي ذكرت جلجامش في بنائه للقارب بالطريقة ذاتها التي يستعملها سكان الأهوار في صناعة القوارب حتى اليوم.
من فكرة الأهواريين-الناس-التاريخ راحت عدسة المصور الفوتوغرافي سعد نعيم في معرضه المقام الآن في بغداد تقيم علاقاتها في زمنين: الماضي والحاضر في معادلة معكوسة إلى حد كبير، فالأهواريون هم الماضي بشتى صوره المميزة، بيئةً ومكاناً وعلاقاتٍ اجتماعية وإنسانية فطرية، والحاضر تمثله العدسة والتقاطاتها وزوايا النظر فيها إلى وجوه الأهواريين في محاولة لاكتشاف الكثير من الفطرة التي تجانس الطبيعة ولا تبتعد عنها، بل تغور في تضاعيفها لتشكل منها صورة واحدة هي مزيج من الطبيعة والإنسان حينما يلتقيان في بؤرة فوتوغرافية، ويلتحمان في زمنية المكان الحاضر رجوعاً إلى الماضي وآفاقه المتسعة المعروفة، فيتشكلان من جديد؛ طبيعةً حيةً ما تزال تجري بسيطة مع الماء، وعلاقاتٍ يومية تستمر بالرغم مما أصاب المنطقة من ويلاتٍ كثيرة بسبب الحروب وجفاف المكان لسنواتٍ طويلة.
غير أن هؤلاء الأحفاد السومريين سرعان ما ينبثقون من سرّة المكان ومن الجفاف ليكونوا في عين العدسة مع القصب والجواميس والاخضرار الفاقع الذي يشكل صيرورة الحياة وديمومتها الأثيرة. وبالتالي نرى أن عدسة الفنان سعد نعيم ذهبت إلى الماضي أكثر من الحاضر لتعيد أرخنته وتوثيقه والوقوف على جماليات الأهواريين الملتصقين بالمكان وأسراره الكثيرة.
ولأنه مخرج سينمائي يتعامل بعين العدسة باحترافية جيدة، سنجد الكثير من لقطات الفنان سعد نعمة وكأنها مقتطعة من فيلم أو أفلام متعددة عن المكان وزمانه الممتد إلى آلاف السنوات، وبدت عدسته الفوتوغرافية وكأنها سينمائية موجهة تحدد الوجوه بملامحها الزمنية، وتستقطب المكان بطبيعته الفطرية القائمة على ديكورات محددة بالماء الذي يحيطها من كل جانب، والزرع مترامي الأطراف يسير بموازاة المياه، وبيوت القصب التي بقيت على تأسيساتها القديمة الأولى من دون أن تتدخل الحضارة الصناعية في ترميمها أو تأثيثها بمستجدات العصر، والزوارق الصغيرة التي تمثّل الدوران اليومي في انسيابية المكان وشفافيته المائية.
الأهواريون من هذه الزاوية التي حاول الفنان سعد تكريسها بالتركيز عليها هي اشتقاق إنساني من هذه البيئة السهلة-الصعبة في مكوناتها الفنية والحياتية والمعيشية، وتمكّن من التقاط ما يمكن التقاطه في زمنية الحاضر والرجوع به إلى زمنيته الماضية الأكثر قِدماً عبر الوجوه البسيطة التي تناسلت في الزمن يوم كان المستشرقون والعسكريون المحتلون منبهرين بهذه الوجوه التي تداهم الحياة بفطرة سماوية غاية في الجمال، ولهذا في عام 1824 قال القائد العسكري جورج كبيل عندما وجد نفسه بين وجوه لأناس يشبهون الإغريق والرومان “في الحقيقة إن أيّ واحد منهم يصلح أن يكون أنموذجاً لهرقل”.
لجأ سعد نعمة إلى المباشرة في توثيق الوجوه التي تشغل بعض الأحياز من المكان الشاسع، وهي وجوه قليلة مع اتساع المكان وجغرافيته الواضحة التي تشكّل بساطاً كبيراً من البَرْدي والماء؛ تشكل الطفولة منها القسم الأكبر، مثلما تشكل الطبيعة الرافد الآخر لها؛ لكنها وجوه تضمن بقاء المكان في دالّته الطوبوغرافية القديمة وجمالياته السياحية والإنسانية التي هو عليها بالرغم ممّا تعرض له من دمار وتخريب وتجفيف في سنوات ما قبل 2003 إلا أن الحياة يبدو وكأنها عادت في الوجوه وشرايين الأهوار، لذلك بدا الأهواريون مع بساطتهم المفرطة أكثر اهتماماً باللحظة العابرة التي تطرقها عدسة الفنان سعد نعمة.
عمل الفنان سعد نعمة محاضراً في معهد الفنون الجميلة ومستشاراً فنياً في وزارة الثقافة وشارك في مؤتمرات علمية وفنية كثيرة داخل العراق وخارجه. كما شارك في عدد من اللجان التحكيمية الفوتوغرافية والسينمائية، وعمل في الصحافة الفنية العراقية ويشغل الآن موقع رئيس تحرير لمجلة “السينمائي”.
من أعماله السينمائية الوثائقية: “آل سعيد” و”الأسطورة والتراث” و”تخطيطات” و”أزياء” و”ليلة رحيل القمر” و”مدينة الثورة” و”تسعة قناديل للمعرفة” و”الفردوس المفقود”.
أقام عدداً من المعارض الفوتوغرافية منها:
حاز على جوائز وشهادات تقديرية في مهرجانات عراقية وعربية وإقليمية.