أدباء عرب في المهجر جزر ثقافية وأزمة هوية.. وأحلام مستحيلة

نشأ مصطلح أدباء المهجر في القرنين التاسع عشر والعشرين، عندما هاجر كثير من الشوام إلى الأميركتين، ولمعت أسماء كتاب عاشوا وكتبوا وتكيفوا مع أحوال وثقافات البلدان التي هاجروا إليها. وكانت أغلبية المهاجرين وقتها تسعى إلى تنفس الحرية في بلدان العالم الجديد، هربًا من قسوة القبضة التركية على بلدانهم. كان ذلك في الماضي البعيد، لكن لاحقًا بعد عقود وبسبب الأنظمة السياسية هذه المرة، فر عدد كبير من الأدباء والمثقفين إلى المنفى بحثًا عن الحرية وأيضًا سعيًا إلى حياة كريمة من ناحية العيش. مرحلة أخرى، شهدت هجرة أدباء ومثقفين عرب كانت في أعقاب ثورات الربيع العربي، بعد أن ظهرت على السطح ميليشيات راديكالية في مختلف تنظيماتها وتحالفاتها. ليعاود مصطلح «أدباء المهجر» إلى الظهور من جديد. أدباء وكتاب ومثقفون يعيشون اليوم في أوربا وأميركا وسواهما من بلدان العالم، باحثين عن فرص أفضل للحياة والحرية والأمن، ناظرين بأعين دامية إلى بلدانهم غير المستقرة على الجانب الآخر من البحر المتوسط، فكيف يعيشون؟ وكيف ينظرون إلى ما جرى في بلدانهم؟ وما الذي يحلمون به؟ وكيف اندمجوا في الثقافات الجديدة؟ تساؤلات تطرحها «الفيصل» ويجيب عنها عدد من هؤلاء المهاجرين.

وليد خليفة: باريس لا تتسع لمبدعيها فكيف بالغرباء؟


وليد خليفة

هي ليست نفسها، باريس كما رأيتها في أغاني، جاك بريل، وأديت بياف، وسيرج غينسبور، ولا تلك التي قرأتها في قصائد بودلير ورامبو وجاك بريفير، ولا تلك التي لمستها في كتابات زولا وهوغو وكامو وسارتر ورفيقته سيمون، ولا تلك التي مر فيها طه حسين وتوفيق الحكيم وعاش فيها هنري ميلر وهمنغواي؛ إنها صورة عن ذلك الزمن الذي كلما نطقت اسم باريس بالفرنسية كما ينطقها أهلها تراءت لك التي لا تشبه ما هي عليه الآن، التي يتقاسم واجهات مكتباتها ومقاهي سان جيرمان دي بري وسان ميشيل، فيها برنار هنري ليفي ومرافقوه من أدباء يلبسون نظارات السياسة ويخلطون الفلسفة بالحروب.

إذا كانت حال باريس للفرنسيين على ذلك النحو الذي وصفه ألبير كامو «كل شيء يبدو غريبًا لي، كل شيء، لا شخص يبدو قريبًا بالانتماء إليّ، لا مكان يبرئ كل هذه الجروح؛ ما الذي أفعله هنا؟ ما جدوى هذه الابتسامات وهذه الإيماءات؟ أنا لست من هنا ولا من مكان آخر، أصبح العالم بأكمله مكانًا يتكئ فيه قلبي على عدم، على اللاشيء»، فكيف تكون الحال بكاتب العربية، لعلنا نعثر في شوارعها على الروائي السعودي أحمد أبو دهمان، أو على المصري يحيى إبراهيم، أو السوري أدونيس، أو الجزائري واسيني الأعرج، لكنها أسماء غريبة على المدينة وأهلها، وإذا استثنينا السوري أدونيس، فلن نجد أثرًا للآخرين، الأدباء العرب المقيمون في المهجر الفرنسي، الهاربون من أهوال بلدانهم ليسوا أكثر من عابرين في مكان لا يتسع لمبدعيه فكيف بحالها مع الغريب. ثمة حالة للأسماء العربية التي تكتب بالفرنسية، حالة تترسخ كل يوم بعلو قامة، يحضر هنا أسماء مثل: كمال داوود، وياسمينة خضرا وبو علام صنصال وأمين معلوف، وأمام لمعان مثل هذه الأسماء تبهت أسماء كتاب العربية باللغة الأم مثل خفوت أنوار المراكز والمعاهد الثقافية العربية التي هي واجهات بلا مضامين كما حال معهد العالم العربي الذي يتحول رويدًا رويدًا إلى متحف للعجائز وعلاقاتهم العامة ويغادرها جمهورها المفترض نحو واحات لا تحتاج توصية الآباء.

ما زال الإبداع العربي الباريسي في مرحلة الأبوة، فرض الأبوة على القارئ، مفاهيم الولاء للزعيم والشلّة، ما زالت المراكز العربية ودور النشر القليلة والمهملة من جمهور القراء والتابعة في أغلبيتها لعواصم التأثير السياسي والمرتهنة للصراعات السياسية بين العواصم العربية والإقليمية، حالها كحال المبدعين العرب، ما زالت تراهن على منطق أزمنة أصبحت في متاحف الزمن، ما زالت وما زالوا يصرون على استعادة البرهة التي مضت، وهنا لا يبقى إلا أمثال كمال داوود وبو علام صنصال الذين لم يجدوا بعدُ طريقهم إلى الترجمة باللغة التي يفكرون بها ولا يتقنون الكتابة بها، هكذا يعبر داوود في جلسات خاصة: إنها اللغة التي سمعت أبي يصلي بها، فيما يقترح صنصال على الفرنسية حميميةً لم تخطر على بال بودلير. ثمة فقر في المكتبة العربية في فرنسا، فقر مدقع لا يوازيه إلا فقر الخيال في المشهد الإبداعي بالعربية هنا الآن، وفقر ضواحي العرب حول المدن الفرنسية، حيث أحزمة الفقر التي تنطق بعربية مكسرة تصرخ فيهم زعيمة اليمين الفرنسي، مارين لوبان: عودوا إلى بلادكم.
شاعر وكاتب سوري مقيم في فرنسا.

محمد ميلود غرافي: أنا مندمج ومتوازن

محمد ميلود غرافي

يتوقف الاندماج في ثقافة عن أخرى على المعنى الذي نعطيه لمصطلح اندماج. فهو مصطلح يحرق الرأس كثيرًا في بلاد المهجر، لأن كل الناس من سياسيين وغير سياسيين، ديمقراطيين وعنصريين، يرددونه كلما دار الحديث عن وضعية العرب والمسلمين في أوربا، وكل طرف يضع في الكلمة ما شاء من محتوى توجهه السياسي. بكل بساطة إذا كان المقصود بالاندماج هو أن يعيش المرء حياته في المهجر في احترام تام لثقافة وقوانين البلد الذي استضافه فأنا أعتبر نفسي مندمجًا من دون أي عقدة وفي توازن تام مع ثقافتي الأصلية وثقافة البلد الذي أعيش فيه (فرنسا)، مع مرور الوقت، يتكيف المرء مع ثقافة وعادات وطقس بلد المهجر، ربما بشكل متفاوت ومختلف من شخص إلى آخر. أعرف كُتابًا عربًا يعيشون ما يسمونه أزمة الهوية، ولا يكفون عن الشكوى من مسألة الاغتراب.

أعتقد أني شخصيًّا قد تجاوزت هذه المعضلة منذ بداية إقامتي في فرنسا التي دخلتها طالبًا، واخترت الإقامة بها في آخر المطاف، ولعل ذلك راجع إلى أني استوعبت منذ البداية أن أفضل سلاح لمواجهة ما يسمى بالاغتراب هو عدم السقوط في عقدة الذات والدونية أمام الآخر.

أن يعيش الإنسان العربي في أوربا، مهما كانت معتقداته وتوجهاته الثقافية والسياسية، لا يستطيع أن ينكر وهو يقيم المقارنة بين بلده الأصلي وبلده الثاني أن الفرق شاسع جدًّا، وأن العالم العربي في ركود تام، بل في تقهقر تاريخي لا مثيل له. العالم العربي يعيش الآن خارج التاريخ ثقافيًّا واجتماعيًّا وسياسيًّا وتكنولوجيًّا وعلميًّا… حتى إنني أكاد أفقد الأمل في المستقبل، لكني أطمح مع ذلك وآمل أن نخرج رأسنا من المستنقع والرداءة والركود.
شاعر ومترجم مغربي مقيم في فرنسا.

فاتنة الغرة: أكثر التجارب حظًّا السورية والفلسطينية

فاتنة الغرة

أعتقد أننا لو أردنا أن نكون منهجيين أكثر يمكننا أن نضع المثقفين والأدباء في قائمتين؛ قائمة تخص من جاء إلى أوربا قبل الربيع العربي، وقائمة تضم من جاؤوا بعدها، والملاحظ أن أغلبية الذين قدموا قبل الربيع العربي كانت مشاريعهم الثقافية خاصة وذاتية، حيث التقاطع مع الوسط الثقافي الأوربي تقاطع خجول ومقطوع، وقلما تقف على تجربة أسهمت في الحياة الثقافية الأوربية انطلاقًا من ثقافتها العربية، غير أن الذين قدموا بعد ما يسمى الربيع العربي كانوا ذوي حظوظ أوسع، ربما بسبب تركيز العالم على البلدان التي جاؤوا منها؛ بسبب ما يحدث فيها، وما له من تأثيرات في مجرى الحياة الدولية. ولذا ترى أكثر التجارب التي أخذت مكانة في الأوساط الأدبية والثقافية هي تجارب سورية فلسطينية تنوعت بين الشعر والموسيقا والمسرح، سواء هنا في بلجيكا أو غيرها من البلدان الأوربية إلا أن الوجود الأكبر لحركة الشعر السوري تحديدًا تراه في ألمانيا، وذلك بسبب وجود كثير من الأسماء الشعرية الجيدة من أجيال مختلفة، سواء كانوا سوريين أو من فلسطينيِّي سوريا. كما أن الحركة المسرحية والموسيقية العربية في أوربا تحديدًا صار لها روادها الشغوفون بالاطلاع على هذه الثقافة؛ لأنها قادمة إليهم من بلاد ينظرون إليها على أنها في أسفل سلم الحضارة الإنسانية، غير أننا لا نستطيع تجاوز حضور المسرح العراقي في بلجيكا أو في غيرها من البلدان الأوربية، وهو الأمر الذي يشكل امتدادًا لحركة المسرح في العراق، التي تعوض عن وجود الدراما الغائبة عن الحضور العربي، وإن كانت من أول البلدان التي شهدت صناعة الأفلام السينمائية، والحقيقة أنني تعمدت عدم ذكر أي من الأسماء الناشطة في المجال الثقافي لتفادي أي حساسية من أي شخص غفلت عن ذكر اسمه.
كاتبة وصحافية فلسطينية تقيم في بلجيكا.

أحمد يماني: مستويات فردية متفرقة

أحمد يماني

فيما يخص تأثير الثورات العربية في المثقف العربي في إسبانيا تحديدًا فلا بد من الإشارة بداية إلى ندرة النخب الثقافية العربية في إسبانيا، فلا يمكن قياس الحضور الثقافي العربي في إسبانيا بنظيره في فرنسا وإنجلترا وألمانيا على سبيل المثال، وعلى هذا فإن تأثيرًا من هذا النوع لا يمكن قياسه على مستوى جماعي بل على مستويات فردية متفرقة لا تشكل في مجملها حركة بعينها. على أن ثمة ظاهرة يمكن أن تؤخذ بعين الاعتبار وهي عمل بعض الجاليات على تكوين كيانات وتجمعات بعد أن أعادت الثورات العربية صياغة علاقاتها ببلدها الأم، وكما في مثل هذه الأحوال فإن الاستقطابات السياسية أدَّت في النهاية إلى تشرذم تلك التجمعات. يمكن أن يكون هذا الملمح هو الأكثر بروزًا. على مستويات أخرى فردية، ولندرة هذه النخبة المثقفة كما أسلفت، فإن الضوء يصبح مسلطًا بشكل ما على القليلين من فنانين وكتّاب ممن يعيشون في إسبانيا وقد تم الاستعانة ببعض منهم للحديث عن تلك الثورات، سواء في وسائل الإعلام المكتوبة أم المرئية والمسموعة وكذلك في منتديات ولقاءات نظمتها بعض الجامعات والمعاهد والجرائد الكبرى، لكن هذا الانتباه سرعان ما ابتعد بعد سنوات قليلة وعادت النخبة الثقافية لما كانت عليه، أي العمل بشكل فردي. لكن يمكن أن نرى كذلك أن من تأثيرات الثورات العربية حدوث اهتمام نسبي في مجال الترجمة، ترجمة بعض من الأدب العربي إلى الإسبانية، وإن لم يتم الأمر بشكل موسع، لكن هذا أفاد على الأقل في تحريك عجلة الترجمة بشكل ما. أعتقد أن المثقف العربي لم يكن بعيدًا عما يحدث في بلاده وإن كانت المشاركة في الحدث الثوري مختلفة عمن شارك فعليًّا في الحدث، ولكن الكثير ممن يعيشون في الغرب قد شاركوا فعليًّا. وأما ما يتمناه المثقف العربي في الخارج فمثل ما يتمنى المثقف العربي في الداخل، ربما يكون الأمر أكثر إيلامًا لمن يعيش في الغرب، حيث يحيا بنفسه حياة المجتمعات المتقدمة على مستويات عدة منها السياسي والاجتماعي والعلمي والفكري والأدبي والفني، وجل ما يتمناه أن يرى بلاده على تلك المستويات، ولا شك أن الثورات العربية قد منحت أملًا كبيرًا للجميع كي يتحقق كل ذلك.
شاعر ومترجم مصري مقيم في إسبانيا.



هادي الحسيني: أنظر إلى وطني بعيون دامية


البلدان الأوربية توفر كل وسائل العيش الكريم للإنسان ومن ضمنها التعليم والعمل، الناس بمساواة وعدالة ونظام منقطع النظير، لا أحد يموت من الجوع هنا كما في بلداننا العربية! ولا أحد يتميز عن الآخر إلا بمثابرته وتفوقه وإخلاصه للعمل، فتبدو الحياة مملوءة من الفراغ، إن وُجد الفراغ بالنسبة للعاطلين عن العمل الذين تتكفل مكاتب ودوائر البلديات بإيجاد العمل المناسب لهم، أو تصرف لهم رواتب الإعانة الاجتماعية.

شخصيًّا كعراقي أنظر إلى وطني بعيون دامية من منفاي البعيد وأتحسر على فترات السبعينيات الذهبية التي عاشها العراق كأي بلد مستقر ينشد العلم والتطور، لكن بداية الحرب العراقية الإيرانية عام 1980م كانت القشة التي قصمت ظهر البعير! وما زال مسلسل الحروب والموت اليومي المجاني يرافق العراق المذبوح من الوريد إلى الوريد!

الغربة الطويلة متعبة وتفطر القلب لكن على المثقف أن ينخرط ويندمج مع هذه المجتمعات الغربية ما دام يعيش بينهم ومفتاح الدخول لهم والتعرف عليهم هي اللغة، بمجرد أن تعرف اللغة سوف يمكنك أن تحشر أنفك فيما بينهم لتعرف كيف يفكرون وكيف يتعلمون حتى كيف يقرؤون ويأكلون! وقد نجح الكثير من العرب في بلدان الغرب في أوربا وأميركا وغيرها أن يحصلوا على مكانة مرموقة في عالم الأدب بشكل خاص، وقد حصدوا العديد من الجوائز العاليمة، وأنا أحد هؤلاء الذي فازوا بجائزة الشعر العالمية في أميركا قبل سنوات.

اليوم لدينا أدباء وكتاب يكتبون الشعر والرواية والمقالة في لغة البلد الذي يعيشون فيه ويتفوقون على أهل البلد، المثقف العربي من المحيط إلى الخليج لديه إمكانيات فهو مبدع ومتألق في داخل بلده بالرغم من العوز والحاجة لكنه في المنفى يبدع أكثر.
شاعر وكاتب عراقي مقيم في النرويج.

صفاء‭ ‬فتحي‭:‬ لغة‭ ‬مختلفة‭ ‬وانغماس‭ ‬يائس

صفاء فتحي

ليس هناك نمط واحد لكيفية الوجود فيما تسميه بلاد المهجر، فهو مصطلح قادم من القرن التاسع عشر. شعراء المهجر وما إلى ذلك، كما أنه ليس هناك مهجر واحد. أعتقد أن الاسم ينطبق أكثر على الأميركيتين أكثر مما ينطبق على أوربا. ففيما يخصني أنا أتنقل عمومًا بين عدة بلدان أوربية بشكل منتظم باريس/ مدريد/ برلين. هناك من لا يسافرون وهناك من يسافرون من وقت لآخر وهناك من يعملون في التدريس، في الترجمة، في الصحافة… إلخ. بشكل عام هذه المهن مكملة لمهنة الكتابة التي غالبًا لا تمكّن الكتاب من أكل العيش باعتبارك استخدمت مفردة كيف يعيش! ويصعب الحديث بشكل عام عن الانخراط في الثقافات الجديدة، فالأمر يعتمد على اللغة التي نكتب بها، فمن يكتبون بالعربية فقط أعتقد أنهم يتحركون في أوساط عربية وهي كثيرة في أوربا، ومن يكتبون بلغة الثقافة التي يعيشون فيها بجانب العربية يتحركون في أوساط أكثر اندماجًا مع هذه الثقافات، وعمومًا أعتقد أن هناك حركة خفية، قوية في كثير من الثقافات؛ لأن الدوائر تنغلق ولا تتسع، لأن كل وسط ينفصل عن الآخر، وتظل هناك نقاط تقاطع صغيرة تتمركز عادة حول عملية الترجمة. في فرنسا مثلًا الأكثر انخراطًا هم من كانت اللغة الفرنسية هي اللغة الإدارية لدولهم في أثناء عصور الاحتلال.

للأسف المثقفون السوريون يعيشون في مأساة لا يمكن لها أن تقارن بأخرى، حتى المثقفون العراقيون أو اليمنيون. أما الربيع العربي الساخن! إذا كنا نعني به الثورة في مصر، فأنا شاركت فيها، وكتبت عنها نظريًّا، وكتبت عنها مجموعة شعرية، وصورت أحداثًا عدة في مسارها، منها احتلال التحرير مثلًا 18 يومًا كما أصبح من الدارج تسميته. كما أني سجلت أهم منتوج جمالي لها، ذلك المتمثل في الجداريات. وهذا سؤال إجابته كتاب كامل. ولك أن تسألني: ما هي طموحاتي للمستقبل؟ وهو سؤال غاية في الصعوبة لأنه ينطوي على السؤال الأهم وهو: أي مستقبل؟ إذ إن مستقبلي الشخصي متقاطع ومسكون بمستقبل مصر/ أوربا/ التغير المناخي/ البشرية نفسها التي تمتحن في جوهرها، أي في إمكانية أن يكون لها مستقبل على الإطلاق. هل تعني مشاريع الكتابة؟ عندها من الممكن الرد بنعم، هناك مشاريع للكتابة مختلفة عما كتبت من قبل، بلغة أيضًا مختلفة، وبانغماس يائس.
شاعرة مصرية تقيم في فرنسا.

رزان‭ ‬مغربي‭:‬ أحلم‭ ‬بجسر‭ ‬ثقافي‭ ‬يكسر‭ ‬صقيع‭ ‬المنفى


رزان مغربي

منذ ما يقارب ثلاثة الأعوام اخترت المنفى، وانضممت إلى عدد كبير من كتاب وصحافيين وفنانين ومثقفين في المهجر كما التسمية القديمة، ولو أني أعترض على كلمة المهجر فهي تنزاح لمعني هجرة اقتصادية، أكثر منها غربة ومنفى، لأسباب لا تخفى عن الجميع، وأعتقد أنه بدأت هذه الموجات من اختيار المنافي لكثير من المبدعين منذ الحرب العراقية، ومن ثم جاءت موجة أخرى للمثقفين والمبدعين السوريين اليوم، وأعتقد أن مكان إقامتي هولندا، فضله العراقيون أكثر من غيره، في حين نجد خارطة الأدباء السوريين، الغالبية، في ألمانيا، ثم السويد وفرنسا وهولندا، أما بقية الجنسيات من اليمن وليبيا ومصر وتونس فهم لا يشكلون جالية أو لنقل أسرة من الكتاب والفنانين بسبب قلة عددهم.

أعتقد أن ملاحظتي الأولى عن الحياة الثقافية في المنافي، وما شعرت به أيضًا، هناك تشكل لجزر ثقافية معزولة نوعًا ما بعضها عن بعض، هناك نشاطات تأسست سابقًا من مثقفين عراقيين لهم نشاطات، لكن الأمر يحتاج إلى مزيد من العلاقات للتعرف عليها. شخصيًّا أتلقى دعوات من الجميع مؤخرًا، ولكني أعتقد أن إقامة الأمسيات من قراءات وموسيقا واحتفاءات صغيرة لن تشكل حياة ثقافية حقيقية.. لهذا كان لدي حلم شخصي وهو إقامة منتدى يصبح مع مرور الزمن شبكة تضم الجميع مستقبلًا، فيها مكتبة كبيرة وأمسيات ثقافية دورية، ومعرض مصغر سنوي، إضافة إلى دار نشر تهتم بترجمة الأعمال من اللغة العربية وإليها، واستضافة الكتاب الذين لا يزالون في الأوطان، وهو ما يسهم في كسر صقيع المنفى، حتى تتصل الجزر الثقافية ببعضها ببعض، فلا بد من بناء جسر جديد يقوم على تبني هذا المشروع، أعتقد أنه يحتاج إلى تمويل ضخم، لكنه حلم.

تم عمل هذا الموقع بواسطة