معارض الكتب في بلدان العالم العربي ليست مجرد سوق لتجارة الكتاب، لكنها عرس ثقافي كبير ينتظره الجميع من العام إلى العام، يتنقل الناشرون بإصداراتهم وأعمالهم خلفها من بلد إلى آخر، باحثين عن ملتقى مختلف، وقارئ جديد، وأرض تروج فيها فكرتهم كصانعي ثقافة راقية، لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه؛ إذ يوجد كثير من التحديات التي تواجه هؤلاء الذين أصبح شرط حياتهم الانتقال من دولة إلى أخرى للمشاركة في عرسها الثقافي السنوي. «الفيصل» سعت إلى التعرف على أبرز الصعوبات التي تواجه الناشرين وأحلامهم للوصول إلى واقع أفضل مما يعايشونه الآن في المعارض العربية.
يقول صاحب المؤسسة العربية للعلوم «ناشرون» ومديرها جهاد شبارو: إن ضعف القوة الشرائية «هي أكبر الصعوبات التي تواجه الناشرين الآن»، مضيفًا أن تزوير الكتب «شكَّل في الأعوام الأخيرة ضربات قوية للناشرين، وبخاصة أن المزورين يقومون بتصدير الكتاب إلى مختلف البلدان العربية». وذهب شبارو إلى أن الأوضاع السياسية في كثير من البلدان «لم تعد تسمح بإقامة معارض، وإن سمحت فإن الإقبال لا يكون جادًّا، ومن ثَم فالشراء شبه منعدم، ولنا أن نفكر فيما يجري في كل من اليمن وسوريا وليبيا والسودان والعراق ومصر، ونسأل أنفسنا كيف يمكن أن تروج المعارض، ويُقبِل الناس على الشراء في ظل كل هذه الفوضى؟».
في حين ذهب مدير دار وائل الأردنية أشرف أبو غريبة إلى أن معارض الكتب تقدم أفضل الأماكن للناشرين، «ومن ثم يمكن القول: إن غالبية المعارض في العالم العربي مقبولة، ولا تختلف عن بعضها إلا في القدرات الخاصة لكل بلد عن الآخر، والناشر لا يهمه غير البيع للجمهور، وهؤلاء سلسلة طويلة متنوعة»، مؤكدًا أن لكل معرض خصوصياته، «ففي مصر توجد مشكلة واضحة، وهي أن سعر الكتاب الأردني مرتفع، والقوة الشرائية ضعيفة، وفي معرض الرياض يتمتع بقوة شرائية عالية، لكن ثمة مراجعة لكل العناوين، وثمة رفض لبعضها، وهو ما يجعل الناشر يخسر جهده في الشحن للمشاركة في المعرض».
معرض القاهرة الدولي للكتاب
وأضاف أن ثمة مشكلات أخرى تواجهها مهنة النشر بشكل عام، «لا علاقة لها بمعارض الكتب، لكنها تؤثر في الصناعة، من بينها تزوير الكتب، و«الإي بوك» الذي أصبح ينافس الكتاب الورقي، أما المشكلة الثالثة فهي أن كل اتحادات الناشرين عاجزة، وتقف مثل الطير المقصوص جناحه، فهناك بعض المعارض المتضاربة في المواعيد، كمعرضي الجزائر والشارقة، ورغم طلب اتحاد الناشرين من كل من الجزائر والشارقة التنسيق لتفادي هذا المأزق إلا أن أحدًا لم يلتفت ولم يهتم، وهو ما يؤكد عجز اتحاد الناشرين العرب، وعدم تفهم الحكومات لطلباته؛ العجز الذي يصل أحيانًا إلى عدم قدرة الاتحاد على معاقبة أي من أعضائه حال خطئه، كما لا يستطيع إجباره على المشاركة».
من جانبه قال مدير مبيعات مكتبة ابن الجوزي السعودية ياسر حسني: «إننا كعرب لسنا متفقين على شيء، فكل دولة تشترط أمورًا تختلف عن الأخرى، والحس الأمني أصبح مسيطرًا على الجميع، فمن الممكن أن يُرفَض ناشر لسبب أمني غير مفهوم، أو يُصادَر كتاب لسبب أمني آخر غير مفهوم أيضًا»، موضحًا أن الناشر هو الخاسر؛ «لأنه يقوم بشحن الكتاب ولم يتمكن من عرضه، و«كراتين» الكتب نفسها تُفتَّش بطريقة سيئة، كما لو أننا نبيع ممنوعات وليس الكتب». وأشار حسني إلى أن اتحاد الناشرين العرب لا يستطيع فعل شيء، «فلا يستطيع أن يلزم دولة بخفض الإيجار، ولا يستطيع أن يطالب دولًا بتعويض الناشرين، هو مؤسسة أهلية غير فاعلة؛ لأنه بلا سلطة على الحكومات».
وأوضح مسؤول في دار الساقي أن لكل دولة خصوصيتها، ما يجعل كل معرض مختلف عن غيره، «فمعرض الرياض يعاني الناشرون فيه ارتفاع إيجارات أماكن البيع والعرض، إضافة إلى رفض مسؤولي المعرض عرض وبيع نوعيات من الكتب، وهذا يتكرر كثيرًا مع دار الساقي خاصة، أما في مصر فسوء الإدارة والتنظيم هما أبرز المعوقات، إضافة إلى ارتفاع سعر إيجار أجنحة البيع والعرض، لكن في المغرب تعد المشكلة الأكبر والأبرز هي تحويل الأموال؛ إذ إنه ليس مسموحًا به إلا دخول مبالغ ضئيلة، ولا توجد أماكن لتحويل العملة، وهو ما يمثل صعوبة بالنسبة للناشر».
أما خالد الناصر مدير دار منشورات المتوسط، فقال: إن كلفة المشاركة في المعارض أصبحت مرتفعة، «ومن ثم يجب أن تلقى معارض الكتب نوعًا من الدعم، وإلا فإنها ستواجه أزمة كبيرة، في مقدمتها غياب الناشرين، وبخاصة أن القدرة الشرائية لدى الناس ليست كبيرة»، مضيفًا أن المؤسسات الحكومية في البلدان التي تقام فيها المعارض «يجب أن تُقبِل على شراء الكتب، فمن المدهش أن المؤسسات العامة ووزارات الثقافة لا تشتري الكتب لتزويد مكتباتها، إضافة إلى أن مؤسسات الدولة المنظمة للمعرض لا تعمل مع الناشرين القادمين إليها على إنجاز مشروعات ثقافية كبرى، لا أحد يطلب مشاركة الناشرين في شيء»، مشيرًا إلى وجود كثير من القرى والمناطق محرومة ثقافيًّا، وتساءل: «لماذا لا تتعاون الدول مع الناشرين لتقديم كتاب مدعوم أو في طبعة شعبية لأبناء هذه المناطق البعيدة عن المراكز؟». وامتدح الناصر المعارض التي تقام في الإمارات، موضحًا أنها الوحيدة المستثناة من هذه الملحوظات.
وأجمل صاحب دار الأمل السورية عمار كردية الصعوبات التي يواجهها الناشرون في التكاليف المرتفعة لأجنحة البيع، «ما يجبر الناشر على تحميل هذه التكاليف على سعر الكتاب»، لافتًا إلى أن بعض المعارض «تجبر الناشر على الدفع بالدولار والتحصيل من الجمهور بالعملة المحلية، ومن ثم يضطر الناشر في نهاية المعرض إلى تحويل ما تحصل عليه إلى دولار، فيبدو لمن لا يعرفه كأنه يتاجر في العملة». وذكر كردية أن من المشكلات المهمة منع الكتب من العرض، «وبخاصة أن هذه الكتب تكون قد وصلت بالفعل إلى دولة المعرض، وهو ما يشكل أزمة للناشر ومزيد من التكاليف التي توضع على الكتاب». وأوضح أن الناشرين السوريين «لديهم أزمة في استخراج تأشيرات الدخول، التي قد تُلغَى لأسباب أمنية في أي وقت ولأي سبب، حتى بعد شحن الكتب نفسها». وذهب إلى أن التزوير وعدم مساعدة الحكومات للناشرين، عبر إلغاء رسوم إيجارات أماكن العرض، من كبرى المشكلات التي تواجه الناشرين الآن.
محمد رشاد
رفض رئيس اتحاد الناشرين العرب محمد رشاد ملاحظات الناشرين على الاتحاد، وقال: إنها غير حقيقية، وعدد جملة مما عدَّه إنجازات مهمة قام بها الاتحاد، «من بينها أن اللجنة العربية لحماية حقوق الملكية الفكرية تمنع أي ناشر من المشاركة حال ثبوت قيامه بالسطو على حقوق الملكية الفكرية لغيره»، مضيفًا أنه منذ شهرين «اجتمع كل الناشرين العرب في مؤتمر نظمه الاتحاد بالشراكة مع مكتبة الإسكندرية واتخذ العديد من القرارات المهمة، ومنها ألا يزيد إيجار المتر في أي معرض عن مئة وعشرة دولارات، وأن يُخفَّض إيجار المتر 50% لكل من ناشري سوريا والعراق واليمن وليبيا وفلسطين لظروفهم السياسية، وأن يكون الاتحاد شريكًا في تنظيم المعارض. وهذا بدأ مع معرض القاهرة في يناير الماضي، إضافة إلى تخفيف الإجراءات الرقابية على الكتب، ومنح تأشيرات الدخول كلَّ من يطلب الاتحاد دخولهم». وأكد رشاد أنه لكي يكون للاتحاد صوت مسموع «فلا بد أن يلتزم الأعضاء أنفسهم بقراراته».