نعيم «البيست سيلر» وجحيمه، الكتب الأكثر رواجًا.. ظاهرة فعلية أم تضليل بهدف التسويق؟

لوقت طويل ظلت أعمال فاروق جويدة ونزار قباني وأنيس منصور ومصطفى محمود وغيرهم تتصدر الأعمال المعروضة في المكتبات ولدى بائعي الجرائد، لكن ما يباع أعداده محدودة. أما الثقافة العربية مع ظهور ثورة الاتصالات الحديثة فقد دخلت مضمار الأكثر مبيعًا، فصرنا نجد أعمالًا تنفد طبعتها الخامسة سريعًا، ونرى كُتابًا توزع أعمالهم ما لم توزعه أعمال عميد الأدب العربي أو صاحب نوبل في الأدب، في حين يصبح كُتاب آخرون قادمون من حقول مثل موسيقا الراب نجومًا في الأدب، مثلما حدث مع الشاب زاب ثروت في معرض القاهرة الدولي للكتاب عام 2015م في حفلة توقيع روايته «حبيبتي»، فقد أتى جمهوره ومحبوه من الشباب إلى أرض المعارض كي يوقع لهم على نسخ بخطه، فأصبح نجم الأدب الأول في مصر لذلك العام، على الرغم من أن عمله يفتقد أبسط قواعد اللغة وبناء الجملة ورصد المشهد، لكنه الأكثر توزيعًا وتفاعلًا مع الجمهور.

ولأن هذه الظاهرة متعددة الملامح والجوانب، وتتخطى سلبياتها، مثلما يرى بعض المتخصصين، إيجابياتها، تطرح «الفيصل» هذه الظاهرة التي أصبحت تعرف بـ«البيست سيلر» للنقاش مع عدد من المهتمين.

صلاح السروي

في البداية، يؤكد رئيس قسم اللغة العربية بجامعة حلوان الناقد الدكتور صلاح السروي أن ما يعرف بأدب «البيست سيلر» أمر واقع وليس خيالًا، وأن هذه النوع من الكتابة «يقوم على أن يقدم الكاتب نوعًا أو وعيًا أدبيًّا يستهوي فئة معينة من الجمهور، ومن ثم فهو أدب مصنوع أو مصطنع حسب مقاسات الطلب، لذلك نجده يضرب في مجالات بعينها كالسخرية أو الميتافيزيقا والأساطير أو الحب الرومانسي… إلخ، ونموذجه الأبرز هو هاري بوتر في الغرب وروايات أحمد مراد لدينا». ويرى السروي أن «البيست سيلر» نوع من الأدب «لا يحمل مغامرة جمالية أو إبداعية من أي نوع، إنما يتحرك في المناطق المعبدة الجاهزة مثل الروايات البوليسية أو الجاسوسية أو الجنسية، وهذا النوع من الكتابة يشبه سينما الشباك والأغاني الباحثة عن النجاح الجماهيري بصرف النظر عن القيمة الفنية، وعلى كل فهو أدب لا يصمد أمام أي نقد أدبي محايد أو رصين».

موت الناقد

في حين يذهب الشاعر محمد سليمان إلى أن ظاهرة «البيست سيلر» في السنوات الأخيرة «لم تعد حقيقية، وعلينا أن نراجع في ذلك كتاب «موت الناقد» الصادر عن المركز القومي للترجمة، الذي يذهب فيه مؤلفه إلى أنه في حال تحدث إعلامي واحد في برنامجه عن كتاب ما فإن هذا الكتاب يتصدر قائمة الأكثر مبيعًا، ومن ثم فنحن نعيش في عصر الشاشة، هذا العصر الذي يروج لأي سلعة ويقدمها إلى الجمهور على أنها الأفضل، ومن ثم يتم توزيعها على مستويات واسعة وعديدة».

ويضيف صاحب ديوان «سليمان الملك» قائلًا: «علينا أن نتذكر أن كاتبًا بحجم نجيب محفوظ كانت أعماله تطبع في عدد محدود من النسخ، وهو كاتب أجمع الكل على أنه كبير ومؤسس حقيقي لفن الرواية في العالم العربي، وأنه ظل عاكفًا على إنتاج الروائع المهمة والشهيرة على مدار خمسين عامًا من العمل الثقافي الإبداعي، أما اليوم فإننا نجد أعمالًا لكُتاب لم نسمع بهم من قبل، توزع أرقامًا لم يحلم بها نجيب محفوظ نفسه، وعلى افتراض أنها أعمال مهمة فإن هناك أعمالًا أكثر أهمية منها عشرات المرات ولا توزع سوى نسخ محدودة، ومن ثم فالأمر يتعلق بمسألة الترويج والإعلام، سواء من خلال الصحف والمواقع وما بها من تقارير صحافية أو من خلال القنوات التلفزيونية، هذا سر الأكثر مبيعًا والأكثر توزيعًا وغيرهما من الأسماء التي لا علاقة لها بالأدب الحقيقي ولا إنتاجه الفاعل».

سعيد نوح

أما الكاتب سعيد نوح فيعد «البيست سيلر» نوعًا من الوهم، موضحًا أنه على مدار السنوات الماضية «ظهرت بعض الحقائق فيما يخص هذه الظاهرة، من بينها ما جاء في كتاب «فوديكا» للكاتب أشرف عبدالشافي، الذي رصد فيه العديد من الأعمال الروائية التي طبعها الناشرون في طبعات محدود، كل طبعة منها لا تزيد عن مئة أو مئتي نسخة، مسابقين الزمن للإعلان عن نفاد الطبعة، وبلغ الأمر ببعض الكتاب والناشرين أن أعلنوا عن صدور الطبعة الرابعة أو الخامسة من أعمال لم تصدر بعد».

حسن داود والأسواني و«ميرامار»

وأكد صاحب رواية «كلما رأيت بنتًا حلوة أقول يا سعاد» على أن ما ينفع الناس يمكث في الأرض، ضاربًا المثل في ذلك بنجيب محفوظ، «فقد كان محاطًا بعشرات الكتاب الأكثر شهرة منه، لكنهم جميعًا ذهبوا ولم يبق سواه؛ لأنه كان صاحب كتابة حقيقية وجادة، أما الكتابة التي بلا أخلاق ولا معرفة فلا تبقى؛ لأنها لا تقدم ظلًّا لبني آدم واحد على الأرض، لا تقدم رؤية ولا شخوصًا ولا رائحة لمكان. الكاتب اللبناني حسن داود قال في تصريح له: إن الكاتب المصري علاء الأسواني سرق روايته الشهيرة «عمارة يعقوبيان» من فكرة روايته «بناية ماتيلدا»، والحقيقة أن الأسواني وداود أخذا فكرة روايتيهما من رواية نجيب «ميرامار»، فكلاهما مدان بالاعتذار له، وهو ما يؤكد أن الكتابة الخالدة تنتصر وتعيش وتبقى لتنفع الناس، على نقيض «عمارة يعقوبيان» التي لم يعد أحد يتذكرها بعد موت النائب البرلماني العتيد كمال الشاذلي، أو الفولي حسبما أطلق عليه الأسواني في روايته».

أحمد أبو خنيجر

ويذهب نوح إلى أنه كان أحد الذين أسهموا في ظهور أحمد مراد، فقد كان من أصدقاء محمد هاشم، صاحب دار ميريت، وعرض عليه هاشم نص روايته الأولى «فيرتيجو»، ويومها قرأها نوح معلنًا لهاشم أنها رواية سينمائية، «ورأى آخرون أنها تقدم تجلِّيًا جديدًا للإنسان في العصر الحديث، وتوقعنا جميعًا أن تكون روايته الثانية «الفيل الأزرق» على المستوى نفسه، لكنها جاءت على نقيض ذلك، وجاء عملاه «1919» و«أرض الإله» ليؤكدا «أن ما ينفع الناس يمكث في الأرض بالفعل»؛ إلا أن ظاهرة «البيست سيلر» تبدو في عمومها جيدة للكاتب أحمد أبو خنيجر، مستدركًا: في حال وجود شروط منضبطة لها ولمعاملاتها بالمنطق التجاري الذي يحدد بوضوح عدد النسخ التى بيعت من أي كتاب، من دون اختلاق لظاهرة وهمية من ناشرين مزورين، وبخاصة أنه ليس لدينا إحصاءات جادة وحقيقية حول الموضوع». وأضاف أبو خنيجر أن كتابات البيست سيلر «تضعنا في حرج واضح؛ إذ إنها من ناحية تعنى برواج الأدب وازدياد المقروئية، ومن ناحية أخرى تعنى بالتعامل مع الكتابة الإبداعية والفنية بوصفها سلعة، وهو ما يتنافى مع طبيعة الإبداع وخصائصه النوعية المفارقة بدرجة ما لمعارف المجتمع»، مشيرًا إلى أن الغرض الذي تركز عليه ظاهرة «البيست سيلر» هو التسلية، «وهي الجانب الأضعف في طبيعة الإبداع، لكن هذه الظاهرة في عمومها جعلت عددًا كبيرًا من غير المهتمين بالثقافة والإبداع يقبلون على قراءة الأدب واقتناء كتبه، وهذا يعود بالنفع على الثقافة ورفع الوعي العام في مجتمع مصاب بضعف الثقافة ومحدودية القراءة، لكن لا بد من ضبط آليات عمل وقياس هذه الظاهرة، بحيث تصبح ممثلة حقيقة لما يعلنونه من رواج، ولا يعني تصدُّر كتاب ما قائمة «البيست سيلر» أنه الأفضل أدبيًّا أو فكريًّا».

موضوعات تشغل بال الناس

أكثر الكتب مبيعًا وأوسعها توزيعًا قد تكون الكتب المثيرة لشهية القراء في مادة تناولها وطريقة عرضها أو لمؤلفين معروفين بأسمائهم المشهورة الناجحة التي سبق الاستمتاع بإنتاجها. هكذا وضع الناقد المصري الكبير إبراهيم فتحي مواصفات كتابات «البيست سيلر» من وجهة نظره، قائلًا: «هذه الكتابات نادرًا ما تكون لمؤلفين جدد يشقون طرقًا جديدة في الإبداع إلى درجة أن يلفتوا الأنظار إليهم بشدة. بل على النقيض قد تكون لمؤلف صاحب اتجاه سياسي أو فكري أو ديني شعبي يلقى دائمًا إعلانًا واسعًا، أو كتبًا تتناول الموضوعات التي تشغل بال الناس أيامها أو المشاكل التي يهتم بها القراء. ولكن اتساع التوزيع ليس دليلًا على الامتياز، فقد لقيت بعض الكتب التي حوت خرافات منتشرة أو أفكارًا رائجة شديدة التخلف أو أحداثًا لا يصدقها العقل تنشر الجهل وتروجه، انتشارًا وتوزيعًا واسعًا».

محمد رشاد

من جانبه أقر رئيس اتحاد الناشرين العرب الناشر محمد رشاد بأن بعض دور النشر تغالط القارئ والرأي العام، وتكتب أرقام طبعات وهمية على الكتاب، «فالطبعة لديها لا تزيد عن مئة أو مئتي نسخة، مما يحدث نوعًا من تزييف الوعي لصالح كتابها». وأضاف رشاد أن ظاهرة البيست سيلر «حديثة على بلداننا العربية، فعمرها لا يزيد عن سنوات بسيطة، لكنها انتشرت وأصبحت الشغل الشاغل لدى العديد من المكتبات والناشرين». ويلفت إلى أنها ظاهرة جيدة، «مفيدة للناشر وصناعة الكتاب ورواجه، مثلما هي مفيدة للكاتب

نفسه؛ إذ إنها تشعره بالثقة في عمله، وأن كتاباته لها مردود وجمهور، لكن رغم كل ما قيل ويقال عن ظاهرة «البيست سيلر» في العالم العربي فإن عدد النسخ المطبوعة والموزعة لا يتناسب بحال من الأحوال مع تعداد سكان العالم العربي، ومن ثم فهذه الظاهرة لم تنشط بعد بشكل كافٍ، وإن كان ثمة كتب حققت مبيعات مهمة، لكن مثل هذه النوعية من الكتب قليلة، وأغلبها أعمال روائية وليست أعمالًا فكرية».

مؤلف يحصل على ما يشبه المرتب الشهري من عوائد كتبه… وناشر يؤكد أن «الأكثر مبيعًا» هراء

حقق بعض الكتاب السعوديين أرقامًا عالية في المبيعات، وطبعات كتب بعضهم تخطت الطبعة العاشرة، وبدأ عدد منهم يتحدث عن أنه يقبض مبالغ جيدة من عوائد كتبه، إلا أن هذه الكتب التي تشهد رواجًا لا تلقى اهتمامًا من النقاد، فما الذي يحدث؟ الكاتب السعودي محمد الرطيان أحد أبرز الكتاب الذين حققت كتبهم أرقامًا عالية في المبيعات، وهو يصدر كتبه عن دار مدارك. الرطيان يقول لـ«الفيصل»: «بكل بساطة أنا أتلقى ثمنًا لا بأس به من كتبي، إنه يشبه المرتب الشهري، وللأمانة فإن هذا الثمن مبني على أرقام تقوم دار النشر التي أتعامل معها بعرضه عليّ طمعًا في الشفافية، أضيف إلى ذلك أنهم يتواصلون معي بشكل متكرر؛ لإخباري عن التفاصيل المتعلقة بكتبي، خصوصًا تلك التي تتعلق بالتفاصيل المادية أو الطبعات الجديدة التي سيقومون بطباعتها؛ نظرًا لنفاد ما سبقها».

محمد السيف

ويتطرق الرطيان إلى الاهتمام النقدي، فيضيف قائلًا: «رغم رواج كتبي إلا أنه يؤلمني أن أخبرك عن تجربة شخصية مررت بها؛ فأثناء فوز روايتي «ما تبقى من أوراق محمد الوطبان» بجائزة الأمير سعود بن عبدالمحسن للرواية السعودية في دورتها الأولى وعلى الرغم من أن اللجنة المحكمة تكونت من أسماء لها ثقلها النقدي مثل: لمياء باعشن، ومعجب الزهراني، ومحمد الشنطي، وإلياس فركوح، ومحمد العباس، ويوسف المحيميد، فإن ما تمت كتابته لا يتساوى مع انتشارها». على الرغم من تأكيد الرطيان على مسألة الشفافية والتقارير المالية التي تقوم دار النشر بتقديمها إليه، فإنه يبقى حالة خاصة ولا تشمل الجميع، فالكاتب فارس الروضان أوضح لـ«الفيصل» قائلًا: «لا شك أن دور النشر قد ساهمت بشكل كبير في وصول كتبي إلى الناس. ولكن السياسة التي تعتمدها هي: الربح أولًا وثانيًا وعاشرًا! ولأجل هذا هي تتبنى في معظم الأوقات كثيرًا من الأسماء التي لا تحمل من المزايا سوى أنها تمتلك متابعين كثر في قنوات التواصل الاجتماعي؛ ليكونوا لهم مصدرًا للإعلان والتسويق لكتاب لا يحمل أية علامات فكرية أو إبداعية! ورغم أن «بعض» الدور تعمل على تضليل القارئ من خلال تهويل الكِتاب، بوضع أرقام غير حقيقية للطبعات بهدف التسويق وتحقيق المبيعات؛ إلا أن هذا لا يلغي وجود دور نشر تحترم مهنة النشر، وتقدم مؤلفات مهمة أضافت للقارئ الكريم وللمكتبة العربية الشيء الكثير، وأرقام الطبعات لديها أرقام حقيقية ولكنها بلا عوائد مالية على المؤلف فمن خلال تجاربي الشخصية وتجارب الزملاء الكتاب مع دور النشر، فإن أكثر ما يؤسف أنها تفتقد للشفافية في إعلان الأرقام الحقيقية لعدد النسخ في الطبعة الواحدة، كما أن العقود التي تبرم بين الكاتب والدار لا تمنح الكاتب إلا نسبة ضئيلة جدًّا من صافي الأرباح السنوية للكتاب! ورغم هذا الإجحاف فإن هذا هو أفضل الخيارات لكاتب يريد منصة نشر لتقديم كتابه؛ إذ إن غالبية الدور تطلب من الكاتب أن يدفع قيمة طباعة كتابه مقابل أن يتبنوه تحت اسمهم وحصولهم على النسبة الأكثر للمبيعات».

أما الناشر محمد السيف (دار جداول للنشر والتوزيع) فأكد لـ«الفيصل»: أن كل ما نراه من حولنا وعلى الأغلفة من عدد الطبعات مجرد هراء وتضليل وخداع، فأبرز الكتب وأكثرها انتشارًا بالكاد تصل إلى ألفي نسخة سنويًّا على مستوى المبيعات»، موضحًا أن السمة الغالبة على النشر في السعودية وفي الوطن العربي «هي الربحية والاستغلال وامتهان الكاتب أو المؤلف بجانب ضعف التوزيع والغياب التام للتخطيط الإستراتيجي الفعّال، فتسويق الكتاب العربي مقارنة بالغرب شبه معدوم؛ لأنه واقعيًّا غير موجود سواء على مستوى الناشر أو الإعلام».

إليسا تسوِّق كتابًا والعائد لا يستحق الذكر!

للمؤلف نبيل فهد المعجل الذي وصلت طبعات كتابه المعنون «بيل ونبيل» إلى الطبعة العاشرة تجربة خاصة ومخيفة في الوقت نفسه؛ إذ يذكر قائلًا: كتابي الأول قام الناشر وهو «الدار العربية للعلوم ناشرون» بعرضه في مكتبة النيل والفرات الإلكترونية التي تملكها؛ ونظرًا لتأخر وصول النسخ من بيروت إلى المكتبات السعودية والخليجية لجأ الراغبون في اقتنائه لشرائه من النيل والفرات، وارتفعت مبيعات الكتاب حتى وصل إلى أعلى الكتب مبيعًا لأسابيع عدة. أيضًا لم يترك الناشر فرصة إلا واستغلها ليسوق إنتاجه». ويمضي المعجل قائلًا: «أتذكر أن الناشر اتصل بي وأنا أتجول في معرض بيروت للكتاب عام 2007م وبعد يومين من صدور كتابي يطلب مني الحضور فورًا لركن مكتبته، وعندما وصلت وجدت المطربة إليسا بجانبه وهي تحمل بعض الكتب منها كتابي، وطلب مني الوقوف بجانبها ومعها نسخة من الكتاب وحولها العشرات من الصحافيين والمصورين وانتشرت الصور على وسائل الإعلام اللبنانية، وللأسف لم أحرص على الاحتفاظ بها، أقصد الصور وليس إليسا!»، مشيرًا إلى أن المعيار في الكتب الأكثر مبيعًا «ليس الجودة كما ذكرت ولكن معايير عدة، فكل دار نشر لها أسلوبها في طبع النسخ بعضها لأسباب مادية وأخرى لمنح أكبر عدد من الكتب المتنوعة، وهناك من يسعى لأرقام عالية تحفيزًا لمزيد من التسويق لها. والذي أعرفه أن الطبعة الواحدة لا تقل عن 500 نسخة وتصل عند بعض المؤلفين لآلاف عدة». وعن طبعات كتابه والمردود المادي منها، يقول: بالنسبة لأول طبعة لكتابي «بيل ونبيل» جرى طبع 500 نسخة وقفزت لـ 3000 نسخة في الطبعة الثانية، أما الطبعات اللاحقة حتى الطبعة الثانية عشر فلا أعرف العدد وإن كنت أظنها لا تتجاوز 2000 نسخة لكل طبعة. ومن الناحية المادية، لا ينعكس ذلك على أوضاع الكاتب؛ لأسباب أوجزها بأن المردود في غالبية الأحيان بالكاد يغطي المصاريف، ودور النشر تعودت ألّا يطالب المؤلف العربي (والخليجي خاصة) بحقوقه. 

‭ ‬محمد‭ ‬العباس‭: ‬أزمة‭ ‬القراءة‭ ‬تجعل من‭ ‬الصعب‭ ‬تصديق‭ ‬ما‭ ‬يعلن‭ ‬من‭ ‬أرقام

محمد العباس

لغرض تعدد الطبعات فهو تسويقي بالدرجة الأولى؛ فمن المستحيل تصديق هذا الكم الهائل من الأعداد في ظل وجود أزمة قرائية واضحة للجميع، وتصريحات الناشرين المتكررة عن صعوبة بيع كومات الورق الموجودة في مخازنهم، لكن في الوقت نفسه يوجد بالفعل إقبال على كتب بذاتها، وتحقق نجاحًا لافتًا في الطباعة والتوزيع، بل إن هناك دور نشر قد جرى تأسيسها لهذا الغرض. وهي دور نشر مخصصة للإنتاج الشبابي، الذي لا يرقى بحال إلى مستوى النص الأدبي، حيث تزدحم هذه الدور بكتب الخواطر العاطفية، والروايات الرومانسية الساذجة، التي تناغي أزمات المراهقين. ولهذا تلجأ هذه الدور إلى منظومة من الحيل في الطباعة الأنيقة، وطريقة العرض الباهرة، والترويج الخادع لمضمون الكتاب، بما في ذلك تقليل عدد نسخ الطبعة الواحدة وتكرار الطبعات، ليدخل الكتاب في قائمة الكتب الأكثر مبيعًا وإقبالًا. لكنه ليس من ضمن الكتب الأكثر قراءة لأن الحيلة هنا مكشوفة، ولا يمكن تمريرها إلا على المؤلف ذاته الذي يستمرئ هذه اللعبة ليرفع من مستوى كتابه الخاوي. وهو ما يعني وجود جيل من القراء يمكن أن يرفع منسوب البيع والطبعات ضمن أفق ثقافي خاص به، ولا يتقاطع مع مفاهيم القارئ ومعانيه المتعالية.
الكتب الأكثر مبيعًا حقيقة، ولكن ليس بالضرورة أن تكون الأجود، تجتمع ظروف ومعايير كثيرة لتجعل من كتاب ما لأن يكون الأكثر مبيعًا. أي أنها هي بين الحقيقة والوهم، فمن الناحية العددية صحيحة ولكن ليس بالضرورة نفس الصحة من نسب القراءة. أي ليس بالضرورة أنه حظي بنسبة قراءة عالية، فربما تركه القارئ بعد الصفحة الثانية أو الثالثة. تعدد الطبعات يعتمد على المهارة التسويقية لدار النشر والمؤلف أيضًا، فمن المهم وجوده قدر الإمكان في المعارض حيث يكثر شراء الكتب التي تحمل توقيعه.

تم عمل هذا الموقع بواسطة